وما آتاكم الرسول فخذوه

وما آتاكم الرسول فخذوه

بقلم الدكتور طه عبد الفتاح مقلد

هذا أمر من اللَّه العلي القدير بأن نأخذ كل ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي: فرض اللَّه على الناس اتباع أمر رسول اللَّه، وهذا دليل على أن سنة رسول اللَّه إنما قبلت عن اللَّه، فمن اتبعها فبكتاب اللَّه اتبعها، ولا نجد خبرًا ألزمه اللَّه خلقه نصًا بينًا إلا كتابه ثم سنة نبيه. [((كتاب الرسالة)) للإمام الشافعي: تحقيق أحمد شاكر ص 109].

وبهذا أوضح الإمام الشافعي أن اتباع رسول اللَّه صلوات اللَّه وسلامه عليه فرض على كل مسلم ومسلمة. وليس هناك خبرًا في القرآن أو نصًا من نصوص القرآن أوضح من إلزام اللَّه عباده بأن يتبعوا كتابه، وهو القرآن الكريم ثم سنة نبيه الهادي الأمين.

بل يدافع الإمام الشافعي عن ذلك ويلزم نفسه في كتابه الرسالة بذلك فيقول: ((وإما أن تحالف حديثًا عن رسول الله ثابتًا عنه، فأرجو أن لا يأخذ ذلك علينا إن شاء اللَّه، وليس ذلك لأحد، ولكن قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها)). [((كتاب الرسالة)) للإمام الشافعي: تحقيق أحمد شاكر ص 219].

فالواجب على أهل العلم أن لا يقولوا في سنة رسول اللَّه أو في هديه إلا من حيث علموا. ولا ضير في أن يقول من لا يعلم إني لا أعلم في ذلك قولاً. ولكن الإثم أن يقول من لا يعلم إني أعلم، ذلك لأنه من المؤسف أنه قد تكلم في العلم وفي سنة رسول اللَّه من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه لكان الإمساك أولى وأقرب إلى السلامة؛ لأن الإنسان سيحاسب أمام أحكم الحاكمين عما قال وعما قدمت يداه.

وقرن رب العزة الإيمان برسوله مع الإيمان به فقال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا باللَّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون باللَّه ورسوله} [النور: 62].

بل لا إيمان لمن لم يتبع الرسول فيما أمر، ومن الواجب أن يحتكم المؤمن باللَّه إلى رسول اللَّه فيما شجر بينه وبين الناس، وإذا فزعه أمر عاد إلى سنة رسول اللَّه ليرى ماذا قال الرسول في ذلك، وماذا فعل، ويسلم بنفس راضية بما جاء في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأن اللَّه ما أرسل من رسول إلا ليطاع بإذن اللَّه، وما طاعة الرسول إلا طاعة اللَّه. ومن بعد عن ذلك فقد بعد عن الإيمان، ويقول رب العزة: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء: 65].

ويروي البخاري ومسلم أن هذه الآية نزلت في الزبير حين كانت بينه وبين أحد الأنصار خصومة في سقي بستان، وذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: ((اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك)). قال الخصم: أراك تحابي ابن عمتك. فتلون وجه الرسول الكريم والنبي الأمين. ذلك لأن مجرد وجود الحرج من حكم الرسول أو أن تضيق به النفس، خروج عن الإيمان وبعد عن الصراط المستقيم.

وما أجمل القرآن وما أبلغه حين يعبر بعد ذلك من أن المؤمن يجب عليهم أن يطيعوا الرسول وأن ينقادوا إلى أمره وأن يسلموا به تسليمًا حتى ولو كتب عليهم قتل أنفسهم أو أن يتركوا ديارهم، وفي ذلك يقول القرآن بأصدق عبارة وأحسن تصوير. {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِندِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا. وَإِذًا لاَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا. وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: 66 - 68].

وذكر المفسرون أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه وعمار بن ياسر وابن مسعود وثابت بن قيس رضوان اللَّه عليهم قالوا: لو كتب علينا ذلك، ولو أن اللَّه أمرنا أن نقتل أنفسنا أو نخرج من ديارنا فعلنا! اتباعًا لأمر رسوله.

فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن من أمتي رجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الراوسي)). [انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 5، ط دار الكتاب العربي ص 270].

ونختم هذه الآيات ببيان الجزاء العظيم والثواب الذي أعده اللَّه لعباده الذين يطيعون اللَّه ورسوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا ذلك الفضل من اللَّه وكفى باللَّه عليمًا} [النساء: 69 - 70]. وليس هناك من شك في أن سعادة الأمة في الرجوع إلى هدي رسول اللَّه فنقتدي به في سلمه وفي حربه وفي كرمه وفي حلمه وفي أمانته وفي كل ما صدر عنه. فلقد فاز أصحاب رسول اللَّه بالخير في الدنيا والآخرة باتباعهم لكتاب اللَّه وسنة نبيهم، بل كانوا أوعية أمينة للسنة المطهرة، وكانوا هداة مهديين يحبون رسول اللَّه ويسجلون له كل إشارة. ويتبعونه في كل شيء أوفياء أمناء على سنة رسولهم.

ومن كان أمينًا فيه الوفاء لسنة رسوله سهل عليه كل عسير. ومن حاد عن ذلك واتبع نفسه وهواه وترك سنة رسول اللَّه خسر الدنيا والآخرة.

قال الحكم بن عمير: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه، يسير على من اتبعه وطلبه، وحديثي صعب مستصعب هو الحكم، فمن استمسك بحديثي وحفظه بجامع القرآن، ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة، وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري، وتتبعوا سنتي، فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن، ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اللَّه إن اللَّه شديد العقاب} [الحشر: 7])). رواي الحديث القرطبي.

صدق رب العزة وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فهل لنا أن نحاسب أنفسنا من قبل أن تبدل الأرض غير الأرض والسماوات يوم يشيب فيه الولدان يوم يعض فيه الظالم على يديه ويقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً.