يسألونك عن الزلازل

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

فقد وقَع في معظم أنحاء مصر في الساعة الثالثة وعشر دقائق من بعد ظهر الاثنين الموافق 15 ربيع الآخر سنة 1413هـ وقع زلزال عنيف مخيف تحدثت عنه الدنيا بأسرها! وطار ذكره إلى الآفاق، واستمر خمسين ثانية فقط، وأحدث خسائر هائلة وقتلًا وتشريدًا وإصابات! كما أحدث ذهولًا واضطرابًا وتحيرًا وارتباكًا، وتحدث عنه المتحدثون، وكتب عنه الكاتبون، ووصفه الواصفون، وغفل عن الاعتبار والتدبر الغافلون!

ونسي كثير من الناس أن الزلزال آية من آيات الله الكونية التي يمر عليها كثير منهم وهم عنها غافلون!

وأن هذه الآية يخوف الله عباده بها حتى يعودوا إليه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].

فالزلزال الذي أرسله الله على مصر تخويف للحكام والمحكومين على سواء! وإنذار للوزراء ومن دون الوزراء!

فالكل خائف من الله، تائب إليه، راجع ومنيب.

ومع هذا فقد غفلت وسائل الإعلام هذه الجوانب الإيمانية، فسأل الصحفيون خبراء الأرصاد ولم يسألوا شيخ الأزهر؟! ولم يصدر تصريح - واحد - يدعو الناس إلى الدعاء والتضرع! وقد حدثنا القرآن الكريم عن الأمم التي قبلنا، وكيف أنهم مع كفرهم إذا رأوا عذاب الله اعترفوا بذنوبهم وظلمهم!! قال تعالى: ﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 5]!!

وحكى لنا القرآن عن قوم جاءهم عذاب الله فلم يتأثروا به ولن يتوبوا إليه! واستمروا على ضلالهم وأقاموا على فسقهم!! قال تعالى: ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]! فضاعف الله لهم العذاب وأخذهم أخذ عزيز مقتدر!

القرآن الكريم يتحدث عن الزلازل:

إن كتاب الله يحدثنا عن الزلزال!! بل وتخصص سورة في القرآن بهذا الاسم وهي سورة الزلزلة! والعجيب في هذا الكتاب المعجز أنه يصف لنا حالنا مع الزلازل، وكأن القرآن لم ينزل إلا في يوم وقوعها!!

اقرأ وتدبر قوله تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ ومعناه إذا تحركت الأرض حركة شديدة واهتزت اهتزازًا عنيفًا! وهذا نفس ما وقع في الزلزال.

ثم اقرأ وتدبر ما يقع عند حدوث الزلزال: ﴿ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾ وقارن ذلك بالواقع الذي حدث: لقد خرجالناس إلى الشوارع يقولون: ما بال الأرض؟ ما الذي حدث؟! ما لها؟! وجاءت التصريحات تقول: تشققات في القشرة الأرضية!! والمؤمنون يرتلون بإيمان ويقين قوله تعالى: ﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ أي أن الزلزال وحي من الله العليم الحكيم يصيب به من يشاء، ويصرفه عمن يشاء!! ولا يعني ذلك ردًّا لما يقوله العلم الحديث، وإنما ينبغي أن نفهم الآيات الكونية على حقيقتها، وأن ندرك حكمة الله في إرسالها وإحداثها.

وفي أول سورة الحج حديث عن الزلزال الأعظم!! ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

فالزلزال الذي حدث بالأمس القريب كانت كل مرضعة تفزع إلى رضيعها، وأما زلزلة الساعة فتذهل كل مرضعة عما أرضعت!! وزلزال الأمس كان الناس فيه حيارى! وفي زلزلة الساعة يكون الناس سكارى!! قد ذهبت عقولهم من شدة الخوف! كما تذهب عقول السكارى بفعل الشراب!

وانظر إلى الناس وهم يتدافعون من البيوت إلى الشوارع خوفًا وهلعًا من الزلزال! ولسان حالهم يقول: أين المفر؟!! وقارن ذلك بيوم الفزع الأكبر وقوله الحق سبحانه: ﴿ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ﴾ [القيامة: 10].

ولقد كانت مدة الزلزال خمسين ثانية فقط!! وأحدث من الخسائر والجروح والقتل ما لا يخفى علمه على أحد! فإذا أردت بيان ذلك ففي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر:50].

ولقد حذرنا الحق سبحانه وتعالى من هذه العقوبة وأمثالها وأضعافها قبل أن يرسلها علينا! تدبر ذلك في قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]!!.

• ولقد جاءنا الزلزال فوجدنا نلهو ونلعب! في غفلة شديدة، قد أحاطت بنا ذنوبنا، والحق يحذرنا: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأعراف: 97، 98] ويقول لنا: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾ [النحل: 45] نعوذ بالله من الخسف.

ونعود إلى سورة الحج فنتعلم أن التقوى هي خير وقاية من الزلازل: ﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1] ومعناه: عليكم بالتقوى لأن أمامكم زلزالًا عظيمًا! ومع ذلك يوجد بيننا من يزيده الزلزال طغيانًا! كما في قوله: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60]!! ويصدر قرار من مسئول كبير جدًا بإغلاق الملاهي الليلية بمحافظة الجيزة خوفًا من ازدحام المرور! وليس خوفًا من الله الذي أرسل الزلزال!! وينكشف غطاء الجهل عن بعض الأقلام فيصف بعضهم نجاة أفراد من سكان العمارات المنهارة بأنه من لعبة الأقدار!! وتعالى الله عن اللعب، والقدر من صنعه وليس لعبًا! ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49] فمن مات فبتقدير الله، ومن نجا فبقدره أيضًا، وإنما لكل أجل كتاب ﴿ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78].

ماذا يقول الزلزال لو تكلم؟!!

إن الزلزال لو تكلم - وما ذلك على الله بعزيز - فإنه يقول لنا:

• عودوا إلى الله فقد طال عليكم الأمد!

• واحتكموا إلى شريعته ولا تكونوا من الخاسرين!

• وتوبوا إلى الله قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله!

• ولا تأكلوا الربا فإنه من أقوى أسباب الزلازل!

• واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون...

اللهم إنا نعوذ بك من الخسف والزلازل والمحن والفتن، ما ظهر منها وما بطن. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.