المجموعة: عدد جمادى الأولى
الزيارات: 1363

التربية بين الأصالة والتجديد

(الحلقة الثالثة عشر)

تابع الحديث عن الجنة والنار

بيانات المقال

السنة

14 (1406هـ)

العدد

161 (جمادى الأولى)

الصفحات

43: 46

التاريخ الميلادي

1986م

 

كان حديثنا في المرة الماضية عن الجنة وما فيها من نعيم مقيم (نقلناه عن كتاب حادى الأرواح) لابن قيم الجوزية. والحديث هذه المرة عن النار حاولنا له جمعا واستفدنا من كتاب التذكرة للقرطبى، والتخويف من النار لابن رجب الحنبلى، ويقظة أولى الاعتبار لصديق حسن خان.

 النار دار العذاب الأليم والهوان المستديم أعدها الله سبحانه وجعلها قرارا للكافرين والمعاندين والمجرمين المتجبرين وانتقاما من الطغاة والمشركين. وجعل الذعاب فيها أصنافا وألوانا وذكرها في كتابه وتحدث عنها نبيه صلى الله عليه وسلم حتى ينزجر العصاة ويستقيم الطائعون. والله سماها بأسماء كثيرة منها: جهنم والحطمة ولظى وسعير وسقر والهاوية والجحيم. ومما قال فيها:

 " كلا انها لظى نزاعة للشورى " " وما أدراك ما سقر. لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر " " وما أدراك ما هى نار حامية " " نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة انها عليهم مؤصدة في عمد ممدة " " وقودها الناس والحجارة ".

  ومن أحوال أصحابها وأوصافهم: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبن زدناهم سعيرا ". " ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ". حتى أنهم قد ورموا فيها، وانتفخوا فصار ما بين أنفه وشحمة أذنه مسيرة سبعين خريفا تجرى بها أودية القيح والدم والصديد.

 وأما عن أبوابها فالنار لها سبعة أبواب. لكل باب منهم جزء مقسوم وهى مغلقة الأبواب حتى إذا جاءها أصحابها فتحت أبوابها فإذا دخلوها جميعا أغلقت عليهم فهى عليهم مؤصدة، أغلقت حتى صار الجدار جزءا واحدا لا يرجى فتحة ولا يتميز لها أبواب من جدار.

 أما عن أصواتها فإن لها تغيظا وزفيرا ولها شهيق وهى تفور تكاد تميز من الغيظ إذا سمعها الأنبياء والمرسلون جثوا على الركب يقول كل منهم نفسى نفسى. مصداقا لقوله تعالى: {يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها }.

 أما عن هوائها ومائها فإن ريحها ريح السموم وماءها ماء الحميم وظلها هو اليحموم لا بارد ولا كريم. وعن شررها فإنها ترمى بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر لونه أسود كالقار. والله سبحانه يقول: { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس }.

 بها واد يسمى ويل يهوى فيه الكافر سبعين خريفا لا يبلغ له مقرا. ومن وديانها غى، وأثام، وموبق، وسعير. أغلالها فى أعناقهم وأصحابها في السلاسل يسبحون ثم في النار يسجرون. وأن السلسة من سلاسلها طولها سبعون ذراعا لو أن غلا منها وضع على جبل لأذابه وهدمه ودكه ودكا.

  أما المطارق التى يضربون بها فلهم مقامع  لا يستطيع الثقلان أن يحملوها.

 وأما عن طبقاتها ودركاتها فإن الحجر يهوى فيها سبعين خريفا لا يدرك لها قعرا.

 وأن سألت عن سعتها فإن الصراط الذى يضرب على ظهرها يسع الخلائق جميعا. فكيف بها إذا سعة وعمقا، ومع ذلك فأصحابها محشورون فيها يتأذى بعضهم من جوار البعض ومن ريحه ونتنه.

  فإذا سألت عن لونها فلقد أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم ألف عام حتى احمرت ثم ألف عام حتى اسودت فهى سوداء حالكة كالليل المظلم.

  وأما عن حرارتها فإن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: ناركم هذه التى يوقدنا بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم.

  وأما عن البرد فيها فإنه الزمهرير الذى إذا خرجوا إليه تتحطم من شدته العظام ويسمع صوتها فيسألون الرجوع إلى الجحيم من هول ما يلقون.

 وأما عن ندائها فهى تقول اشتد حرى وبعد قعرى وعظم جمرى على الهى إلى بأهلى.

 أما عن سكانها فانهم كل جبار عنيد وكل شيطان مريد وكل من يخافه في الدنيا لشره العبيد. الملائكة يوثقونه بالحديد ثم يؤمر به إلى جهنم التى لا تبيد ثم يوصدها عليهم ملائكه رب العبيد. فلا تستقر أقدامهم على قرار أبدا ولا تلتقى جفون أعينهم على غمض نوم أبدا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا.

 يلبسون النضيج من النحاس وقد منعوا خروج الأنفاس. فالأنفاس في أجوافهم تتردد، والنيران على أبدانهم تتوقد، قد أطبقت عليهم الأبواب وزادهم عذابا أن حل بهم غضب رب الأرباب.

 ويزيد في عذابهم أنهم أنفسهم لا يتراحمون فيها بل للعائن يتبادلون (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولادهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار. قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون. أن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين. لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين).

  وكذلك هم فيها لا يرحمون (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما زرقكم الله قالوا أن الله حرمهما على الكافرين).

  وينادون مالكا خازن النار فلا يجابون إلى ما يريدون (إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين. ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون).

 حتى انهم لا يجدون عند رب العالمين الرحمن الرحيم الا العذاب الأليم والرد الذى يخرسهم أجمعين (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون. تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون. ألم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تذكبون. قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. قال اخسئوا فيها ولا تكلمون).

 وإن سألت عن أطوارها ومراحلها فإنه " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " وأما عن فرشهم فإن لهم من جهنم مهادا ومن فوقهم غواش.

 وأما عن ثيابهم فإن سرابيلهم من قطران وقد قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما فى بطونهم والجلود وأما عن طعامهم فطعامهم من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع وطعامهم ذو غصة وعذاب أليم.

  وأما عن شرابهم فإنه الغسلين لا يأكله إلا الخاطئون وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. يسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ.

  وربهم أعلم فالعذاب ألوان والخزى والعار والذل والصغار فبئس القرار قد استحقوا العذاب واستوجبوه وحلت عليهم اللعنة وسوء الدار. بل الله أعلم فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. اللهم انا نسألك النجاة منها ومن أهوالها ومن مشابهة أهلها (آمين). وللحديث صله.