دراسات شرعية: أثر السياق فى فهم النص (١٥٣) - المعازف

كتبه د. متولى البراجيلي

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين، وبعد: مسألة المعازف وحكمها فى الشرع، من المسائل التى تكلم فيها العلماء قديما وحديثا بين مانع ومجيز.

وسأبدأ بإذن الله تعالى فى استعراض الأدلة التى وردت عن المعازف سندا ومتنا وأقوال العلماء فى ذلك، ونرى أثر قرائن السياق فى بيان وتوضيح والترجيح في هذه المسألة.

أولا: ما هى المعازف ؟

بالنظر فى كتب اللغة والمعاجم نجد أن تعريف المعازف كما يلى: هي آلات اللهو يضرب بها، فإذا أفرد المعزف فهو ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن، وغيرهم، وفى حديث أم زرع: إذا سمعن صوت المعازف أيقن أنهن هوالك.والمعازف اسم يجمع العود والطنبور والدف والقيثارة وما شابههم، فهى آلات يعزف عليها.

وآلات الملاهى هى، هى الآلات الموسيقية الوترية كالعود والكمان ونحوهما. (انظر تهذيب اللغة للأزهرى ٢/ ٨٦، المخصص لابن سيده ٤/ ١١، شمس العلوم لنشوان اليمنى ٧/ ٤٥١٢، تاج العروس ٢٤/ ١٥٥، ٨/ ٤٣٦ , المغرب لبرهان الدين الخوارزمى ١/ ٣١٤، مختار الصحاح ص ٢٠٨، لسان العرب ٩/ ٢٤٤، المصباح المنير ٢/ ٤٠٧، معجم اللغةالعربية المعاصرة د. أحمد مختار ٢/ ١٤٩٣، ٢٠٤٣، ٣/ ٢١٣٩، معجم لغة الفقهاء لقلعجى وقنيبي ص ٤٣٧).

ثانيا: الأحاديث الواردة فى المعازف:

هناك جملة من الأحاديث وردت في المعازف،منها ما صح ومنها مالم يصح،ومن ذلك:

١- عن أبى أمامة رضى الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثنى رحمة للعالمين وهدى للعالمين، وأمرنى ربى بمحق المعازف والمزامير والأوثان والصُلب وأمر الجاهلية …..(أخرجه الإمام أحمد فى المسند وفى سنده روايان ضعيفان: ابن فضالة بن النعمان التنوخي، وعلى بن يزيد - الألهانى - ح ٢٢٢١٨، ٢٢٣٠٧، وقال الأرناؤط: إسناده ضعيف جدا.)

٢- عن أنس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استمع إلى قينة (مغنية) صب فى أذنيه الآنك يوم القيامة، (الرصاص) (أخرجه ابن عساكر: وهو موضوع انظر ضعيف الجامع ح ٥٤١٠، وقال الإمام أحمد: باطل، انظر السلسلة الضعيفة ١٠/ ٥٢)

٣- عن نافع أن ابن عمر رضى الله عنهما: سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه فى أذنيه وعدل راحلته إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله صلى الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا (أبو داوود وغيره، قال الألبانى: حسن، المشكاة ح ٤٨١١، وحسنه الأرناؤوط فى المسند. وفى عون المعبود قال: إسناده قوى انظر ح ٤٥٣٥ والتعليق عليه).

٤- عن أبى أمامة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاتبيعوا القينات ولاتشتروهن ولاتعلمونهن،ولا خير فى تجارة فيهن، وثمنهن حرام، فى مثل ذلك أنزلت عليه الآية: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) (لقمان: ٦) (رواه الترمذى وغيره، فى سنده على بن يزيد وقد ضعفه بعض أهل العلم، وحسن الحديث الألبانى بشواهده فى صحيح سنن الترمذى وابن ماجه إلا أن الشيخ تراجع عن تحسينه بتمامه إلافيما يتعلق من نزول الآية فى الغناء للشواهد الصحيحة المذكورة عن ابن مسعود وغيره فإنها فى حكم المرفوع، انظر السلسلة الصحيحة تحت ح ٢٩٢٢).

٥- عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فى هذه الأمة خسف ومسخ وقذف.فقال رجل من المسلمين: ومتى ذلك يارسول الله ؟ قال: إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف، وفى رواية: إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر (الترمذى وغيره، صححه الألبانى بشواهده، انظر الصحيحة ح ٢٢٠٣، وصحيح الجامع ح ٥٤٦٧).

٦- عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوتان ملعونان فى الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة (البزار وغيره وقال الألبانى عن إسناده حسن، بل هو صحيح بشواهده، انظر تحريم آلات الطرب ص٥٢)

٧- عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الله حرم علي، أو حرم الخمر والميسر والكوبة (الطبل) وكل مسكر حرام (أبو داوود وغيره وقال الألبانى إسناده صحيح انظر تحريم آلات الطرب ص ٥٦، وصححه الشيخ أحمد شاكر فى تعليقه على المسند).

٨- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عزوجل حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء (شراب مسكر)، وكل مسكر حرام (أبو داوود وغيره وقال الألبانى حسن لذاته أو على الأقل حسن لغيره، بل هو صحيح بما تقدم أي بالشواهد، انظر تحريم آلات الطرب ص ٥٨)

٩- وقد أرجأت هذا الحديث لآخر الأحاديث لأنه يعتبر الحديث العمدة فى تحريم المعازف أو جوازها: عن أبى عامر أو أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ أخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة (أخرجه البخارى ح ٥٥٩٠، وأبو داوود ح ٤٠٣٩، وابن حبان ح ٦٧٥٤، والطبرانى فى الكبير ح ٣٤١٧، والبيهقى فى السنن ٢٧٢/٣، ٢٢١/ ١٠ وغيرهم)

(الحر: الفرج، يعنى الزنا، علم: جبل، يروح عليهم راعيهم، بسارحة: بغنم، فيبيتهم الله: يهلكهم فى الليل، يضع العلم: يدك الجبل ويقع على رؤوسهم، يمسخ: يغير خلقتهم)

. سند الحديث: سند البخارى: وقال هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابى حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعرى قال: حدثنى أبو عامر أو أبو مالك الأشعرى.

١- دعوى اضطراب السند: حدثنى أبو عامر وأبو مالك: أولا: الاثنان من الصحابة، والصحابة كلهم عدول، وهذا لايؤثر فى السند بحال، ثانيا: أخرجه ابن ماجه ح ٤٠٢٠ من حديث أبى مالك الأشعرى بغير شك، والطبرانى فى مسند الشاميين ح ٢٠٦١، والبيهقى فى الآداب ح ٦٢٧، والكبرى ح ٢٠٩٨٩، وشعب الإيمان ح ٥٢٢٧).

ثالثا: أخرجه ابن حبان عن الصحابيين كليهما …… قال حدثنا أبو عامر وأبو مالك الأشعريان سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ح ٦٧٥٤) (وصحح سنده الألبانى فى الصحيحة والأرناؤوط فى تحقيقه لصحيح ابن حبان).

رجال سند الحديث: عبد الرحمن بن غنم الأشعرى: مختلف فى صحبته وذكره العجلى فى كبار ثقات التابعين، وابن حبان فى الثقات التابعين، وقال ابن عبد البر: كان أفقه أهل الشام (انظر تقريب التهذيب ت ٣٩٧٨، وتهذيب التهذيب ٦/ ٢٥٠)

- عطية بن قيس الكلابى:ثقة مقرئ (انظر تقريب التهذيب ت ٤٦٢٢، وتهذيب التهذيب ٧ /٢٢٨)

- عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ثقة (انظر تقريب التهذيب ت ٤٠٤١، تهذيب التهذيب ٦/ ٢٩٧- ٢٩٨)

- صدقة بن خالد: ثقة: (انظر تقريب التهذيب ت٢٩١١، تهذيب التهذيب ٤/ ٤١٤،)

- هشام بن عمار: ومن يطعن فى سند الحديث يطعن بهشام بن عمار بأن البخارى علق الحديث عنه.

هشام بن عمار: وثقه جماعة من أهل العلم، يحيى بن معين، قال: ثقة - كيس كيس ……ثقة وفوق الثقة.

وقال العجلى: ثقة وفى موضع اخر قال صدوق. وقال النسائى: لابأس به، صدوق.. صالح.

وقال الدارقطنى: صدوق كبير المحل.

وقال الجواليقى: ماكان فى الدنيا مثله،ولما قرأ بعض أصحاب الحديث يوما عليه حديثا ليس من حديثه، فقال لاتفعلوا ياأصحاب الحديث، فإن كتبي قد نظر فيها يحيى بن معين فى حديثي كله إلا حديث سويد بن عبد العزيز، فإنه قال: سويد ضعيف الحديث. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق.. كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح.وقال الذهبى: كان من أوعية العلم، حدث عنه البخارى وأبو داوود والنسائى وابن ماجه وروى الترمذى عنه بواسطة ولم يلقه مسلم.

وضعفه جماعة من أهل العلم. وأنه كان لايحدث إلا أن يأخذ مالا على الحديث، وقال الإسماعيلى: كان يلقن، وقال أبو حاتم الرازى: لما كبر تغير وكل مادفع إليه قرأه وكل ما لقن تلقن وكان قديما أصح، كان يقرأ من كتابه. وقال أحمد بن حنبل: طياش خفيف (انظر تقريب التهذيبت ٧٣٠٣، المعلم بشيوخ البخارى ومسلم ت ٤٦٣، تهذيب الكمال ٢٠/ ٢٤٢- ٢٥٥).

ثم يرد سؤال: هل تخريج البخارى ومسلم لراو فى صحيحهما يعد توثيقا له ؟

 يقول الحافظ ابن حجر يبنبغى لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأى راو كان، مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولاسيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين ……..

هذا إذا خرج له فى الأصول، فأما إن خرج له فى المتابعات والشواهد والتعاليق، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم فى الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم ……

وكان الشيخ أبو الحسن المقدسى يقول فى الرجل الذى يخرج عنه فى الصحيحين:هذا جاز القنطرة، يعنى بذلك أنه لايلتفت إلى ماقيل فيه.

يقول الشيخ أبو الفتح القشيرى فى مختصره: هكذا نعتقد وبه نقول، ولانخرج إلا بحجة ظاهرة (انظر هدى السارى ص ٣٨٤).

وللحديث بقية، والحمدلله رب العالمين